تربيةمتفرقات

التنمر… عار أم معيار؟

بقلم ندوى محمد سباقة*

*(إجازة من كلية التربية في الجامعة اللبنانية، إجازة في العلوم التربوية، دراسات عليا في التاريخ الحديث والمعاصر من الجامعة اللبنانية)

        يعتبر التنمر من الظواهر السلبية المنتشرة في المجتمعات كافةً، ويؤثر بشكل كبير على الأفراد، خاصة الأطفال والمراهقين. هو سلوك عدواني متعمد يتضمن استخدام القوة أو السيطرة لإيذاء الآخر نفسيًا أو جسديًا أو اجتماعيًا. تتعدد أشكال التنمر، فقد يكون لفظيًا، جسديًا، إلكترونيًا، أو حتى اجتماعيًا، وجميعها تترك آثارًا نفسية عميقة قد تستمر لفترات طويلة وحتى من الممكن أن تستمر للأبد وتتفاقم إذا لم يتم الحد منها.  ومع تزايد الوعي بأهمية الصحة النفسية وزيادة دورات التوعية حول مخاطرها، أصبحت محاربة التنمر مسؤولية مشتركة بين الأسرة، المدرسة، والمجتمع بأكمله، من أجل خلق بيئة آمنة وصحية تساعد على بناء شخصيات قوية ومتزنة.

أولاً: ما هي أسباب التنمر وما مخاطرها؟ وكيف يمكن الحد منها؟

تتعدد أسباب التنمر وتختلف باختلاف البيئة والمجتمع، وقد برزت عدة أسباب لخلق طفل متنمر ومن هذه الأسباب البيئة الأسرية المضطربة التي ينشأ فيها الطفل وهي بيئة يسودها العنف والإهمال، فيتعلم التنمر كوسيلة للتعبير عن نفسه أو للسيطرة على الآخرين بالإضافة إلى ضعف الوازع الأخلاقي أو التربوي وهو عند غياب التوجيه الصحيح الذي يؤدي إلى سلوكيات خاطئة كالتنمر، كما أن الرغبة في إثبات الطفل لذاته تجعله يمارس التنمر ليظهر بمظهر القوي أو المهيمن. ولا بد أن نلتفت إلى الحقبات التي مر بها الطفل فتبين أنه تعرض للتنمر فيتحول الضحية إلى متنمر إذا لم يتلقَ الدعم المناسب.

ثانيًا: أنواع التنمر

تختلف أنواع التنمر بحسب الزمان، المكان والشخصيات، فنجد أولاً التنمر اللفظي الذي يبرز بالكلمات المسيئة والجارحة مثل السخرية، الإهانات، الألقاب المهينة. للانتقال بعدها إلى النوع الأخطر وهو التنمر الجسدي مثل الضرب، الدفع، أو أي شكل من أشكال الأذى الجسدي الذي يؤدي ببعض الأحيان إلى إصابات خطيرة أو دائمة وأخرى مميتة. ومع التوسع بأنواع التنمر لا بد أن نسلط الضوء على التنمر الاجتماعي الذي يؤثر نفسياً وعاطفياً على المتنمر عليه وتتمثل بتأثير علاقته مع الآخرين مثل الإقصاء والعزل من المجموعات أو نشر الشائعات الخاصة ونقاط الضعف التي تبعد الآخرين عنه.

وأخيراً وليس آخراً والأهم في عصر التكنولوجيا ومع تتطور وسائل التواصل الاجتماعي إلى ما نحن عليه الآن، من المهم أن نذكر التنمر الإلكتروني الذي أصبح متاحاً في كل العالم ويتضمن التهديد، أو التشهير، أو الإهانة عبر الإنترنت وأيضاً المنشورات التي تعرض بهدف الفكاهة والتسلية والشهرة التي تقوم على التنمر المباشر وغير المباشر وأصبحت معتادة عند الكثير من الأشخاص لا سيما الجيل الجديد.

ثالثًا: آثار التنمر

للتنمر آثار خطيرة على المدى القريب والبعيد، ومنها نقص الثقة بالنفس، الانطواء والعزلة الاجتماعية التي تبعده عن المجتمع والبيئة حتى في عمله، فيتراجع دخله الشهري والمكاسب المالية بالإضافة إلى ضعف الأداء الدراسي مما يوثر على مستقبله، وكل هذه الأمور تزيد من مشكلاته النفسية والصحية مثل القلق والاكتئاب وفي بعض الحالات، التفكير في إيذاء النفس أو الانتحار.

رابعاً: الأشخاص الأكثر عرضة للتنمر

الأكثر عرضة للتنمر يختلفون حسب البيئة (مثل المدرسة أو العمل أو الإنترنت)، لكن هناك فئات معينة تكون غالباً أكثر استهدافاً، ومنها الأشخاص المختلفون عن الآخرين بطريقة ما مثل من يملكون مظهرًا أو لباسًا مختلفًا، أو يعانون من إعاقة جسدية أو عقلية، أو ينتمون إلى خلفيات ثقافية أو دينية مختلفة وايضاً الأشخاص الخجولين أو الهادئين الذين لا يدافعون عن أنفسهم بسهولة، وغالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم “أهداف سهلة هم عرضة للتنمر بسبب عدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم كما أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف الثقة بالنفس الذين يُظهرون قلقًا أو توترًا في التعاملات، والتواصل مع الآخرين  قد يجذبون المتنمرين الذين يبحثون عن ردود فعل واضحة، ونرى أيضاً أن الطلاب المتفوقين أو المتأخرين دراسيًا على حد سواء قد يُنظر إليهم على أنهم “متعجرفون” أو “مختلفون”، والمتأخرون قد يُسخر منهم بسبب أدائهم. والمشكلة الأوضح والأكثر انتشاراً الأشخاص ذوو الوزن الزائد أو النحافة المفرطة. المظهر الجسدي عامل شائع في التنمر، خاصة في المدارس وحتى من الأشخاص المقربين في البيئة ونرى من خلال ذلك أن التنمر أصبح عادة ويشمل مجتمعاً كاملاً تحت شعارات متعددة مثل النقد أو الدعم السلبي أو العكسي.

خامساً: أفرقاء التنمر

في كل حالة تنمر، يوجد أكثر من طرف يتأثر ويتفاعل مع الموقف، ولكل منهم دور مهم يجب فهمه لمعالجة المشكلة بفعالية. أولاً، المتنمّر، وهو الشخص الذي يمارس الأذى اللفظي أو الجسدي أو النفسي تجاه الآخرين، وغالبًا ما يفعل ذلك بدافع من رغبة في فرض السيطرة أو بسبب مشاكل داخلية مثل الغضب أو الشعور بالنقص. ثانيًا، الضحية، وهو الشخص الذي يتلقى الأذى، وقد يعاني من آثار نفسية طويلة الأمد كالاكتئاب أو القلق أو ضعف الثقة بالنفس. وثالثًا، هناك المتفرجون، وهم الشهود على الحادثة، ودورهم قد يكون سلبيًا إذا اختاروا الصمت، أو إيجابيًا إذا وقفوا بجانب الضحية أو أبلغوا الجهات المسؤولة.  ومن الممكن أن يكون المتفرج يعزز دور المتنمر فيأخذ دور المعزز أو الداعم له، أي حين يشاهد الآخرون حادثة تنمر ولا يتدخلون أو يختارون تجاهل الموقف، فإن هذا يعطي المتنمر شعورًا ضمنيًا بأن ما يفعله مقبول أو لا يُعاقب عليه. الصمت لا يعني الحياد، بل قد يُفسّر كنوع من التأييد. وهنا يكمن ضعف هذه الآلية، فهي لا تقوم على فعل مباشر لكنها تترك أثرًا كبيرًا في استمرار التنمر وتفاقمه.

سادساً: طرق علاج التنمر والحد منه

يجب غرس قيم التسامح والاحترام منذ الصغر في البيوت والمدارس، ومن المهم الدعم النفسي للضحية من خلال الاستماع له وتقديم المساعدة من مختصين نفسيين إن لزم الأمر. وعلى المدارس وضع قوانين صارمة وفي المؤسسات لمعاقبة المتنمرين وحماية الضحايا.  أمّا بالنسبة إلى دور الأسرة، فعلى الوالدين مراقبة سلوك أطفالهم، سواء كانوا ضحايا أو متنمرين، والتدخل في الوقت المناسب والتشجيع على الحوار. فإن فتح باب الحوار بين المعلمين والطلاب، وبين الأهل وأبنائهم، لمعرفة ما يمرون به يساعد على التخلص من الأفكار السلبية. وعلينا أن ندرك أن معرفة أدوار جميع الأفرقاء تساعد في خلق بيئة أكثر وعيًا وعدلاً، وتشجع على التضامن ضد ظاهرة التنمر.

خاتمة

في الختام، يبقى التنمر سلوكًا مرفوضًا يترك آثارًا عميقة في نفس الضحية، وقد يمتد تأثيره إلى المجتمع ككل. من المهم أن ندرك أن الوقوف ضد التنمر لا يقتصر على الضحية فقط، بل هو مسؤولية جماعية تشمل المتفرجين والأسرة والمؤسسات التعليمية. من أبرز الحلول الفعّالة هي إقامة برامج توعوية وتدريبية داخل المدارس تُعلّم الطلاب كيفية التعامل مع التنمر ورفضه. كما تلعب وزارة التعليم دورًا محوريًا في الحد من التنمر من خلال وضع سياسات واضحة، وتوفير المرشدين النفسيين والاجتماعيين في المدارس. الصمت تجاه التنمر هو مشاركة غير مباشرة فيه، بينما الكلمة الطيبة والموقف الشجاع قد يُنقذان شخصًا من ألم طويل. بمحاربة التنمر، نبني مجتمعًا أكثر أمانًا وإنسانية للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى