اقتصاد

المرأة اللبنانية… بين الأسرة والعمل

تحديات وتوازنات في واقع متغيّر

كتبت سناء زريق (دراسات عليا في التاريخ من الجامعة اللبنانية)

لم يعد عمل المرأة اليوم مجرد ظاهرة اجتماعية تستدعي النقاش، بل أصبح جزءاً أساسياً من نمط الحياة الحديثة، وركناً من أركان الاستقرار الأسري والمجتمعي. فما كان في الماضي القريب مرفوضاً اجتماعياً أو غير مقبول في بعض البيئات، أصبح الآن مطلوباً ومرحباً به من قِبل العائلة والمجتمع، وذلك لأسباب عدّة، في مقدّمتها الضغوط الاقتصادية المتزايدة.

تشير الأبحاث الاجتماعية إلى ارتفاع نسبة النساء العاملات في مجالات يُنظر إليها على أنها مناسبة لظروف المرأة، خصوصاً بعد الزواج والإنجاب، مثل التعليم، الإعلام، إدارة الأعمال، والمحاسبة. ومع أن هذه المهن تتيح لها قدراً من الاستمرارية والتوازن، فإن واقع المرأة العاملة أكثر تعقيداً ويتطلب نظرة شاملة إلى الجوانب النفسية، والأسرية، والمهنية المرتبطة بهذا الدور.

المرأة شريك اقتصادي وأساسي في الأسرة

لم تعد المرأة مجرد عنصر داعم داخل الأسرة، بل أصبحت شريكاً فعلياً في البناء الاقتصادي للأسرة، إذ تشارك في الإنتاج وتخفيف الأعباء المادية عن كاهل الزوج. وقد ساهمت التحولات الاقتصادية والاجتماعية – الناتجة جزئياً عن العولمة – في تعزيز هذا الدور، حيث ازدادت متطلبات الحياة، وتحولت الكماليات إلى ضروريات دفعت المرأة للخروج إلى العمل، ما ساهم أحياناً في تراجع بعض الأدوار التقليدية داخل الأسرة.

التوازن بين العمل وتماسك الأسرة

قرار عمل المرأة خارج المنزل لا يجب أن يُتخذ بشكل عشوائي، بل ينبغي أن يكون مدروساً بعناية فائقة، نظراً لتأثيره المباشر على تماسك الأسرة. فإذا كان عمل المرأة لا يزعج الزوج، ولا يؤثر على الرعاية الأساسية للأطفال أو على نموهم النفسي والجسدي، فإن إيجابيات هذا العمل تتفوّق على سلبياته. إلا أن تحقيق هذا التوازن يتطلّب قدرة عالية لدى المرأة على تنظيم وقتها، وعدم نقل ضغوط العمل إلى البيت، إضافة إلى أن يكون العمل بظروف ملائمة وغير مرهقة.

أما في حال غياب هذه الظروف، أو إذا كان العمل يؤدي إلى تقصير في واجباتها العائلية، فإن سلبياته تصبح أكثر وضوحاً وتؤثر سلباً في الاستقرار الأسري.

التحديات والصعوبات: واقع لا مهرب منه

أمام الظروف الاقتصادية الصعبة، لا تجد كثير من النساء بديلاً عن العمل. وغالباً ما يكون الخيار الوحيد هو التكيّف مع الظروف وتحمل الأعباء، حتى وإن جاء ذلك على حساب راحتها النفسية والجسدية. ويخفّف من حدة هذه الصعوبات توفر الدعم الأسري، كوجود من يساعد في رعاية الأطفال أو في الأعمال المنزلية.

وفي المقابل، فإن عمل المرأة يمنحها قوة شخصية واستقلالية، ويوسّع من معارفها وخبراتها، ويجعلها أكثر انفتاحاً على المجتمع. لكن هذا المكسب قد يأتي على حساب تفاصيل دقيقة في تربية الأطفال، مما يستدعي من الأم أن تعوّض غيابها بطرق ذكية تراعي حاجاتهم العاطفية والنفسية.

العمل وتحقيق الذات

يساعد العمل المرأة على تحقيق طموحها وإثبات ذاتها، كما يمنحها الثقة بالنفس ويشعرها بأنها فاعلة في المجتمع. وغالباً ما تنسى المرأة العاملة تعبها بمجرد أن تحصد ثمرة نجاحها. غير أن تفهّم الزوج ودعمه يبقى مفتاحاً أساسياً في قدرتها على الاستمرار وتحقيق التوازن بين العمل والأسرة.

الإيجابيات والسلبيات في كفّة واحدة

من إيجابيات عمل المرأة نذكر:

  • تحسين دخل الأسرة.
  • تقوية شخصية المرأة.
  • توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية والثقافية.
  • تفعيل دور المرأة في خدمة المجتمع.
  • استثمار التحصيل العلمي والمهني.

أما أبرز السلبيات فتتمثل في:

  • ضعف العلاقة العاطفية والانفعالية مع الأطفال.
  • عدم القدرة على الإرضاع الطبيعي لفترة كافية.
  • تأثير ضغوط العمل على الأم والأبناء.
  • اللجوء المبكر إلى الحضانة كبديل عن الرعاية المنزلية.

كما أن شعور بعض النساء بالندية مع الرجل بسبب العمل قد يؤدي إلى خلل في العلاقة الزوجية، خاصة إذا كان مركز المرأة المهني أعلى من زوجها.

نحو نجاح مشترك: القناعة والتكيّف أساس التوازن

من أجل الحدّ من التأثيرات السلبية لعمل المرأة، لا بد من التكيف مع الواقع، وتقبّل التحديات، والسعي لتحقيق توازن بين مختلف الأدوار. فحين تقتنع المرأة بمهمتها وتدير وقتها بذكاء، يمكنها أن تنجح في الجانبين، خاصة إذا وجدت الدعم والتفهّم من أسرتها، وفي مقدمتهم الزوج.

ختاماً

في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، أصبح عمل المرأة ضرورة لا ترفاً، وهي لا تعمل فقط من أجل ذاتها، بل من أجل أسرتها واستقرارها. لذا من الضروري أن تتشارك الأسرة – بجميع أفرادها – مسؤولية التكيّف مع هذا الواقع، ودعم المرأة العاملة لتحقيق النجاح والتوازن في حياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى